24 أبريل 2024
الاستثمار الاجتماعي والتحولات المجتمعية
تستلزم مسيرة الاستثمار الاجتماعي الناجح مراجعة دورية للأولويات ومجالات العمل، ذلك أن الريادة في مجالات الاستثمار الاجتماعي هي التي تنتقل من التعامل مع المبادرات الجزئية (حسب الحاجة) إلى مبادرات تضع في الاعتبار مفهوم (Social Impact Investing) أو الاستثمار في التأثير الاجتماعي للشركة. والفكرة من هذا السياق هو الكيفية التي تتحول بها مساهمات الشركة الاجتماعية إلى نسق عمل واضح واستراتيجي مستدام، وهذا يتطلب حسب سياق الدولة والمجتمع ثلاثة عناصر أساسية:
- المراجعة الدورية للأولويات المجتمعية والتواكب مع الأولويات الوطنية.
- البناء على النتائج لتحقيق التأثير الاجتماعي المدعوم بالقياس والمساءلة.
- الشراكات الاستراتيجية والانتقال لتمكين قدرات الاستثمار الاجتماعي.
شهدت مسيرة مؤسسة جسور في الاستثمار الاجتماعي مشروعات نوعية، فخلال العقد الأول للتأسيس ركزت المؤسسة على أربعة مجالات عمل رئيسية؛ وهي: ريادة الأعمال، التعليم من أجل العمل، الثقافة والرياضة، الصحة والبيئة. كانت هذه المجالات متواكبة مع سياق الأولويات الوطنية في حينه وخصوصًا مع نطاق الأهداف المحددة لخطة التنمية الخمسية الثامنة والتاسعة، ومع طبيعة أولويات المجتمع الذي تشتغل فيه المؤسسة، ومع اتجاه البلاد إلى تمكين منظومة ريادة الأعمال وحوكمتها وتشجيع الشباب على الانخراط فيها. ومع توسع الكتلة السكانية – خاصة في فئة الشباب – وحاجياتها إلى أنظمة متكاملة من التعليم الجيد والنوعي والمنافس عالميًا، بالإضافة إلى الاشتغال على العنصر الرئيس في أغلب خطط الاستثمار الاجتماعي وهو البيئة وقضايا استدامتها. وقد قدمت المؤسسة في هذه المجالات مشروعات نوعية أبرزها فيما يتصل بريادة الأعمال برنامج (صَنعة) للتدريب على التصميم ثلاثي الأبعاد، وبرامج التدريب من أجل العمل بالتعاون مع بعض الشركات، وبرنامج جسور لتعزيز القدرات وفي قطاع الثقافة والرياضة مبنى لوى للعلوم والابتكار ومركز الطفل الاستكشافي وأكاديمية أشبال لإعداد الناشئة بالإضافة إلى المباني الاستثمارية لبعض الأندية الرياضية، أما في قطاع البيئة فكانت التركيز على صيانة الأفلاج وإنشاء وتأهيل المنتزهات العامة، وفي الصحة كان من أبرز المشروعات وحدة غسيل الكلى والوحدة المتنقلة لفحص سرطان الثدي ومركز التأهيل والعلاج الطبيعي.
وفي ظل انتقال سلطنة عُمان إلى نموذج تنموي جديد يركز على تطوير منظومة القدرات البشرية، وتعزيز برامج الحماية والرفاه الاجتماعي، وتمكين النمو الاقتصادي المستدام، والالتزام بالمحددات البيئة لنموذج النمو بما فيها الانتقال إلى الحياد الصفري، يصبح من الضرورة بمكان مراجعة أولويات الاستثمار الاجتماعي؛ باعتبار القطاع الخاص ليس مجرد محرك للتنمية الاقتصادية؛ بل هو مساهم أساس في التنمية الاجتماعية الشاملة. ولذلك وضعت مؤسسة جسور أولوياتها الجديدة للعمل، والتي تركز على مجالات الرفاه المجتمعي، والبيئة، والتعليم. تتسق هذه المجالات مع المحاور الرئيسية للرؤية الوطنية (عُمان 2040) ومستهدفاتها من ناحية، وتتواكب مع البرامج الوطنية من ناحية أخرى، فبعد اتضاح منظومة الحماية الاجتماعية يصبح الانتقال إلى تمكين حالة الرفاه أمرًا ضروريًا وهو ما يستدعي وجود برامج تمكينية للفئات الأكثر احتياجًا من ناحية، والتمكين النوعي لبعض الشرائح المجتمعية من ناحية أخرى. وفي الإطار ذاته وفي ظل تركيز سلطنة عُمان للتحول لاقتصاد منخفض الكربون تتمحور البيئة كعنصر أساسي في هذا الانتقال وهو ما يستدعي التركيز النوعي على حشد الوعي والطاقات والقدرات والبرامج لتمكين المساحات الخضراء، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز الازدهار القائم على الاستدامة. أما قطاع التعليم فهو ممكن أساسي لكافة برامج الاستثمار الاجتماعي، ويشهد هذا القطاع اليوم تحولات نوعية بالتركيز على أطر مهارات المستقبل، وتعزيز مساحة الاستثمار في هياكل التعليم، بالإضافة لإدماج رؤى التعليم التقني والمهني في مختلف مراحل التعليم المدرسي.
إذن ستشكل هذه المجالات الثلاثة خارطة عمل مؤسسة جسور في رحلتها الممتدة لتعزيز إرث الاستثمار في المجتمع، ولدعم التنمية المحلية في السياقات الجغرافية التي تنشط فيها، ولتكون مواكبة لرؤى امتداد الأثر والاستدامة التي هي عنصر التوجهات الوطنية والمرتكز الأساس لنماء المجتمع.